كان على عهد إبراهيم عليه السلام رجل يقال : له ما ريا بن أوس قد أتت عليه ستمائة سنة وستون سنة ، وكان يكون في عيضة له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر ، وكان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب له يصلي فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج فإذا هو بغنم كان عليها الدهن فأعجب بها وفيها شاب كان وجهه شقة قمر ، فقال : يا فتى لمن هذا الغنم ؟ قال : لابراهيم خليل الرحمن ، قال : فمن أنت ؟ قال أنا ابنه إسحاق ; فقال : ما ريا في نفسه : اللهم أرني عبدك وخليلك حتى أراه قبل الموت ، ثم رجع إلى مكانه ، ورفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، فكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان الذي هو فيه ويصلي فيه ، فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السنين فخبره ، فقال : أين تسكن ؟ فقال : في غيضة ، فقال إبراهيم : إني أحب أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ، قال : إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل ، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خليج وماء غمر ، فقال له إبراهيم : فمالك فيه معبر ؟ قال : لا ، قال : فكيف تعبر ؟ قال : أمشي على الماء ، قال إبراهيم : لعل الذي سخر لك الماء يسخره لي ، قال : فانطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله ، قال إبراهيم : بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجب من ذلك فدخل الغيضة فأقام معه إبراهيم ثلاثة أيام لا يعلمه من هو ، ثم قال له : ياماريا ما أحسن موضعك ! هل
لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع ؟ فقال : ما كنت لافعل ، قال : ولم ؟ قال : لاني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين لم يجبني فيها ، قال : وما الذي دعوته ؟ فقص عليه خبر الغنم وإسحاق ، فقال إبراهيم : فإن الله قد استجاب منك ، أنا إبراهيم ، فقام وعانقه فكانت أول معانقة .(1)
-----------
(1) البحار ج12 ص 9